العضويه : 0 دولتي : الجنس : مزاجي : هوايتي : عدد المشاركات : 365الحيوية : 28945تاريخ الانتساب : 16/08/2009
موضوع: ( صاحبة الشــــجرة ) قصة قصيرة الإثنين يناير 18, 2010 8:29 am
[center]( صاحبة الشــــجرة )
قصة قصيرة
كتبها : أحمد كمال فيلسوف القصة
وقفت خلف النافذة تنظر من داخل حجرتها في البيت الكبير على قمة الجبل ، عاصفة شديدة ، ثلوج كثيفة ، رعد وبرق ترتعد منه الفرائص ، وإذا بالكهرباء تنقطع ، والظلام الدامس يدرك كل من في البيت ، بياض الثلج هو الشيء الوحيد الذي يرى في هذا الليل الصعب !! وإذا بصوت طفلة صغيرة يلين قسوة الليل الصعب تنادي مرتجفة خائفة : - ألن نهبط إلى أبي يا عمة ؟ فالتفتت العمة نحو الصوت وهي لا ترى شيئاً قائلة - بلى يا حبيبتي ، هيا ، هيا تقدمي نحوي بحرص ويطلقان يديهما في الهواء بحثاً عن بعضهما البعض ، وإذا بأطراف أصابع يد الطفلة الصغيرة تلامس أطراف أصابع يد العمة الشابة ، وبسرعة تلامس بكفيها وجهها ، تصيح الطفلة خوفاً ، فتجثوا العمة على ركبتيها وتضم الطفلة إلى صدرها بحنو بالغ ، ثم تهب واقفة وهي تطمئنها وتحملها على ذراعيها ، وتسير في ظلام دامس ، بخطىً حريصة ، تتلمس بكامل أحاسيسها الطريق !! وتتحسس براحة قدميها الاتجاه الذي به تسير ، حتى ظهر من بعيد ، ضوء شاحب مريض ، أسرعت نحو الضوء ، وهبطت الدرج بسرعة ، حتى إلتئمت مع أسرتها حول المصباح الصغير ، وارتمت الطفلة في أحضان أمها ونست عمتها !! كانوا من البرد يرتعدون ، وهي تلقي السلام بشفاه مرتجفة ، وتجلس على الأريكة ، وعينيها تبحثان عن شيء يدفئها من برد شديد ، ردوا عليها التحية ، وهم يرتعدون من البرد ، وكل يفكر كيف نتدفأ في هذا الليل الطويل ، والطريق المقطوع ، حتى ينبلج الصباح بنور الشمس الدافئة ، وإذا بشقيقها يصيح : - لماذا لا نحتطب من الحديقة ؟ فيرد الآخر : - الحديقة كلها أشجار مثمرة ! ويتدخل الشقيق الأصغر قائلاً - ويبدوا إنك نسيت أن هذا الشجر قد زرعه والدك بأسمائنا فتداعبه شقيقته الوحيدة قائلة : - ربما نويت أن تتخلى عن بخلك وتقطع شجرتك لتدفئنا بخشبها !! فيضحك الجميع وإذا بالشقيق الأكبر يقول بجدية : - ولماذا لا نقطع شجرتك أنت !! فيسود صمت مطبق ، حتى تتحمس له زوجته قائلة : - ولما لا ، إنها شجرة يابسة !! وكأن الفكرة قد غزت رؤوس الجميع عدا الشقيقة صاحبة الشجرة ، فوقفت ومن خلفها ظل عظيم وهي تصيح معترضة : - هذه شجرتي ولن يقطعها أحد !! فترد زوجة الشقيق الأوسط مدافعة : - ولكن الأطفال سيتجمدون من البرد ، ألا تنظرين ؟ ! فتنهرها صاحبة الشجرة بظلها العظيم : - إن لآبائهم أشجاراً يمكن أن يقطعوها ، ولكن ليس شجرتي !! فتعنفها زوجة الشقيق الأصغر قائلة : - لو كان لك أطفالاً لأدركت ما نقول !! وهنا هوت صاحبة الشجرة على الأريكة ومن خلفها ظلها العظيم ، ويسرع الأشقاء الثلاثة مع المصباح الصغير ، يحملون الفؤوس ليقطعون شجرة شقيقتهم اليابسة ، وهي تستدعي صوتها من أعماق جرح كبير ، وتغزو الدموع مقلتيها ، ليزيد عليها مشقة الكلام ، ولكنها بصوت مبحوح تصيح : - لقد يبست الشجرة لأن أحداً لا يسقيها ، ربما في هذا الربيع تجيد !! فينظرن لها زوجات أشقائها الثلاثة ، والسخرية بادية على وجوههن وتقول إحداهن : - لقد يبست الشجرة ، ألا تدركين ؟! وتستجمع صاحبة الشجرة قواها ، وتقف على قدميها ، وتطلق ساقيها للريح وهي تصيح : - لا تقطعوا شجرتي ، إنها يابسة ولكن الحياة لا تزال فيها ، إنها تخضر في الربيع ، وتفوح منها رائحة أحبها ، وتتقافز العصافير عليها مع مطلع كل يوم جديد . حتى وقفت أمام شجرتها ، ورأتهم يضربون ساقها العتيد ، والثلج يغطي كل شيء حتى كسى وجهها ، وهي بيديها تسقطه ، وتقول مستعطفة : - لا تقطعوا شجرتي ، إني أستظل بها من حرارة الصيف ، وأكتب تحتها قصائدي وقصصي ، وأحكي لها كل أسراري ، وهي تحكي لي !! وما أن بدأت الشجرة تتهاوى ، حتى أبتا ساقيها أن يحملنها ، ودارت الدنيا من حولها ، وهوت بجسدها على كومة من الثلج الكثيف مغشياً عليها ، فأسرع أشقائها لنجدتها ، وحملوها إلى البيت حتى تستريح . وبينما الأسرة حول النار تصطلي ، وأصبح البيت دافئاً ، أفاقت صاحبة الشجرة ، ونظرت بحسرة إلى حطب شجرتها ، فارتسمت على شفتيها ابتسامة شاحبة ، وهي تستدعي أنفاسها الذاهبة قائلة : - وداعاً يا شجرتي ، وداعاً كما ودعتني !! ثم أطبقت جفنيها .......... وذهبت !!!